!! رصيد الستر!!
الله أكرم الأكرمين . . وحين يتقرب العبد إلى ربه بفعل الطاعات، ينعكس ذلك على نفسه شعوراً لا إرادياً بأن الله سيشكر له سعيه بتلك الطاعة، من منطلق أنه (سبحانه وبحمده) واسع الجود والرحمة والكرم، فإذا ما كان العبد الضعيف يشكر صاحب المعروف إسداءً لمعروفه، فإنه ومن باب أولى أن يكون الغني سبحانه، أهلاً لكل معاني الجود والرحمة والكرم ، وله الحمد والشكر ولا يكون منا كفرٌ للنعم ..(ولله المثل الأعلى)!!
وهذا بالتحديد حقيقة الصوت الخفي الذي يسري في نفس العبد خلسةً؛ فيحدث لديه نوعاً من الطمأنينة بسبب فعل الطاعة، أو إن شئت فقل وهماً في إمكانية الركون والاعتماد على تلك الطاعة!!
والحقيقة أنه حال قبول الله لطاعة عبده، فإنه يحدث لديه شعوراً من الأنس بقربه؛ بحسب إخلاصه في طاعته؛ مما يجعل العبد يستشعر أنه في ستر الله وكنفه وتوفيقه له !!
ولكن الشيطان المتربص بالعبد على كل حال، يسعى لإيهام الطائع أو حتى المرائي بطاعته (بازدياد رصيده من الطاعات) وبالتالي حصوله على رصيد كبير من ستر الله الناتج عن شكره سبحانه لسعي ذلك العبد بتلك الطاعة، وبالتالي فإن صغائر المعاصي لا تضر في هذه الحالة .. وهذا من كبار شراك الشيطان لعنه الله .. !!
وعليه فإنه يستثمر ذلك الشعور، في إيقاع العبد في التمادى بارتكاب المزيد من تلك الصغائر؛ حتى يبلغ منزلة الإفراط فيها، ومن ثم يصل به إلى حد المكروه، حتى يقع أيضاً في الإفراط فيه، فيكون على شفا حفرة الوقوع في الكبائر (عياذاً بالله) وهذا كله تحت وهم ما ألقاه الشيطان في روعه من مشاعر الوهم، بأن لديه رصيداً كبيراً من الستر لا تضر معه الصغائر!!
يقول للمعجب بطاعته :
أنت وليّ الله !!
أنت حبيب الله !!
أنت من قال الله لك اعمل ماشئت .. قد غفرت لك !!
أنت من أوليائي الذين أنصرهم ولا أعاتبهم أو أعذبهم !!
أنت صافي القلب .. وما تفعل كل هذا لا حساب له عندي !!
أنت وأنت وأنت ..!!!
حتى إذا ما تلطخ في وحل الكبائر، سقط من عين الله؛ فأيقظته سياط هتك ستره وفضيحته بين الخلائق!! فالعبد في ستر الله ما دام طائعاً له، فإذا ما عصاه فقد هتك ستر الله عليه!!
وهو الذي فضح نفسه وقام بتعرية ما كان مستورا برحمة الله ..
فهلا سأل كل واحدٍ منَّا نفسه: كم يمتلك من رصيد الوهم هذا؟! لعلنا نستفيق ونرجع إلى الله بتوبة صادقة؛ قبل ما توقظنا سياط هتك الستر (عياذاً بالله) عنا؟!
فكم تمادينا وتمادينا في الصغائر وأفرطنا في المكروه؛ حتى أصبحنا والله على شفا جرفٍ هارٍ من حفرة هلاك الكبائر (عياذاً بالله)؛ لأننا لا زلنا نصغي السمع لذاك الصوت الخافت من الوهم الكامن في نفوسنا، بأنه لا يزال لدينا رصيد كبير من الستر، يحول دون فضح سرائرنا ما حيينا!!
فاللهم
أنت أعلم بضعفنا وجهلنا!! فعاملنا اللهم بما أنت أهله، ولا تعاملنا بما نحن أهله، وأعنا برحمتك على طاعتك، ولا تكشف سترك عنا بعظيم ذنوبنا،
يا حنان يا منّان، يا ذا الجلال والإكرام . . فأنت أهل التقوى وأهل المغفرة.
فهل وصلت رسالتي لأخوتي وأخواتي ؟؟!!